موقع حصن الحزم
يعد حصن الحزم بولاية الرستاق أحد أجمل وأفخم الحصون العمانية، التي شيدت في عصر اليعاربة، وذلك خلال فترة حكم الإمام سلطان بن سيف اليعربي خامس أئمة دولة اليعاربة)، التي حكمت عمان خلال الفترة من عام 1624م إلى عام 1738م، في فترة تعد بداية انطلاق لتكوين قوة بحرية بارزة، أصبح لها تأثير تجاري وسياسي بعد ذلك، امتد جنوبا حتى الساحل الشرقي لإفريقيا، ووصولا إلى سواحل وجزر المحيط الهندي. ورغم الفخامة المعمارية لهذا الحصن، الذي يؤكد على استحكامه العسكري، إلا أنه مليء باللمسات الجمالية الحانية، بدءا من موقعه وسط خميلة ظليلة، تحيط بها كثبان النخيل النامية في ضواحي قرية الحزم، وفلجها الدافق بالماء، وكأنه نهر صغير، حيث يمر داخل الحصن، ثم إلى ضواحي القرية، عبر ساقية تعد هي الأخرى إبداعا في هندسة الأفلاج.
ومن الوهلة الأولى يلوح للزائر حصن الحزم، بمجرد أن ينعطف بسيارته إلى جهة القرية الواقعة على يمين الشارع المتجه إلى داخل مدينة الرستاق، بناء فخم قياسا بالمواصفات الحديثة للبناء، مع أنه من الداخل يتألف من ثلاثة أدوار فقط، ولم يستخدم في بنائه الخشب، إنما جدران سميكة وأعمدة دائرية، تتداخل مع بعضها، وصممت لتبقى صامدة، لا تصدعها ضربات المدافع. وتظهر الخارطة الخارجية للحصن أنه مربع الشكل، موصولا ببرجين عملاقين يقعان في جهتي الجنوب والشمال من الحصن، وقد تحولا اليوم إلى متحفين يعرضان نماذج من الأسلحة الحربية التقليدية، التي تسرد تطور المدافع وعرباتها، خلال الفترة من 1530 الى 1860م، أبرزها مدفعان متميزان بالفخامة، يبلغ قطر كل منهما حوالي 12ملم، إلى جانب المدافع التي كانت موجودة في الحصن.
بعض هذه المدافع إسبانية، صنعت سنة 1591م من مادة البرونز، ركبت في عربة مصنوعة من أخشاب البلوط والدردار، واللافت للنظر من بين المدافع المعروضة هو وجود مدفع عماني لم يعرف تاريخ صنعه، تزن قذيفته تسعة أرطال، وتشير البحوث إلى أن النحاس الذي استخدم في تصنيعه يحتوي على نسبة عالية من النيكل، بالإضافة إلى أن النحاس المستخدم استخرج من مناجم النحاس في صحار. من جانب آخر فإن الوقوف أمام بوابة حصن الحزم الفخمة، والتي صنعت خصيصا له، يوحي للمتأمل بالكثير من الذكريات، ويعد الباب من أفخم أبواب الحصون في عمان، وبحسب الكتابة التي حفرت في مصراعه الأيسر، يمكن أن نقرأ أنه صنع في مدينة سرب بالهند، وذلك في ربيع الآخر سنة 1124هـ، ما يعني أن الباب قد مرَّت على صناعته حتى الآن 311 سنة هجرية. وفي المصراع الثاني نقرأ هذا العبارة: "للسيد المعظم إمام المسلمين سلطان بن سيف بن سلطان نصره الله".
وليست فخامة الباب وحدها التي تلفت نظر الزائر، بل النقوش التي عليه، ليبدو أشبه بلوحة فنية، تتداخل فيها النقوش والكتابات، مع زخرفتها برؤوس نحاسية، حتى ليبدو أن كل قطعة من هذا الباب فيه لمسة حانية من القرون الثلاثة التي مرت عليه، ورغم ذلك لا يزال الباب قائما بجماله وجلاله، يبوح بأسرار الزمن العماني البعيد والجميل. في الطابق الأرضي من حصن الحزم، يصيخ الزائر السمع إلى خرير الفلج، الدافق في ساقية عميقة، يمر بمسابح للاستحمام والاغتسال، فيصنع الخريف قطعة موسيقية، ويعمل البخار المتصاعد على ترطيب المكان، ومع التهوية التي يتسلل إليها النسيم من الأبواب والشرفات، يبدو المكان أشبه بواحة، ونصع النقوش التي تلوح في المشربيات أشكالا جمالية، تكسر من القسوة التي تتسم بها كثير من الحصون الحربية، ليبدو حصن الحزم من الداخل أشبه بقصر فاخر، تبدو أبهته للعيان.
ومن شرفاته يمكن الإطلالة على واحات النخيل لقرية الحزم الجميلة، التي تعد هي الأخرى إحدى الوجهات السياحية الطبيعية في ولاية الرستاق، وعكس الحصن تطور المباني الدفاعية التي سبقت بناءه، ومنها قلعة نزوى وحصن جبرين، وقد وضح جليا من طريقة البناء، والأبراج الدفاعية، والتصاميم والنقوش الزخرفية، إضافة إلى أساليب البناء بالقنطرة والسراديب، ووجود مساقط مفتوحة على المساحات الداخلية والخارجية للحصن، تستخدم كمنافذ لرمي السهام أو أية وسيلة دفاعية كانت تستخدم آنذاك.ولقد ظل حصن الحزم خلال السنوات الماضية مغلقا عن الزوار، وذلك لتهيئته وتأهيله من قبل وزارة السياحة، ليبدو بصورة عصرية، تتناغم فيه بعض المؤثرات والإيحاءات التي أضيفت عليه، حتى يتفاعل الزائر مع مرافق الحصن، من أجل ذلك أضافت الوزارة عليه بعض المؤثرات واللمسات الجمالية، التي لا تخل بروح الحصن، والتي كان عليها قبل ثلاثة قرون، بل تأخذ بالزائر إلى تلك الأزمنة الغابرة.واليوم يعد حصن الحزم أحد الوجهات للسياحة الأثرية، للزائر الباحث عن هكذا معالم تاريخية وثقافية، تربطه بفصول متناثرة من تاريخ عمان، وتقدم له صورة حية للأمجاد والبطولات، وتكشف له جوانب من إبداعات الإنسان العماني، في فن العمارة الحربية التي يمثلها الحصن، وهو مفتوح للزوار.
تعليقات
إرسال تعليق